فصل: (فَصْلٌ): (حَمْلُ الْجِنَازَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَرْعٌ): [ثوابُ صلاةِ الْجِنَازَةِ]:

(لِمُصَلٍّ عَلَى جِنَازَةٍ قِيرَاطٌ) مِنْ (أَجْرِ وَهُوَ)، أَيْ: الْقِيرَاطُ: (أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى)، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ قِيرَاطُ نِسْبَةٍ مِنْ أَجْرِ صَاحِبِ الْمُصِيبَةِ، (وَلَهُ بِتَمَامِ دَفْنِهَا) قِيرَاطٌ (آخَرُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُفَارِقَهَا) بَلْ يَكُونَ مَعَهَا (حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا مِنْ الصَّلَاةِ) عَلَيْهَا (حَتَّى تُدْفَنَ)، لِحَدِيثِ: «فَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا» (وَفِي الْحَدِيثِ): «مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ؛ فَلَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ: (وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» وَفِي) صَحِيحِ (مُسْلِمٍ:«أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ» قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَا يُصَلَّى كُلَّ يَوْمٍ عَلَى غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ) وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَمَّنْ يَذْهَبُ إلَى مُصَلَّى الْجَنَائِزِ فَيَجْلِسُ فِيهِ مُتَصَدِّيًا لِلصَّلَاةِ عَلَى مَنْ يَحْضُرُ مِنْ الْجَنَائِزِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَأَنَّهُ يَرَى إذَا تَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَهُوَ أَفْضَلُ، قَالَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ صَعْدَةَ: وَمَنْ تَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا- يَعْنِي: مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَتَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا- فَلَهُ قِيرَاطٌ.

.(فَصْلٌ): [حَمْلُ الْجِنَازَةِ]:

(وَحَمْلُهَا)- أَيْ: الْجِنَازَةِ إلَى مَحَلِّ دَفْنِهَا (فَرْضُ كِفَايَةٍ) إجْمَاعًا، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَيُكْرَهُ أَخَذَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْغُسْلِ وَنَحْوِهِ. (وَسُنَّ تَرْبِيعٌ فِيهِ)، أَيْ: الْحَمْلِ (بِحَمْلِ أَرْبَعَةٍ)، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةً فَلْيَحْمِلْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، ثُمَّ إنْ شَاءَ فَلْيَتَطَوَّعْ وَإِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ» إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ. (بِأَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ نَعْشٍ يُسْرَى مُقَدَّمَةً) حَالَ السَّيْرِ، لِأَنَّهَا تَلِي يَمِينَ الْمَيِّتِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ (عَلَى كَتِفٍ يُمْنَى، ثُمَّ) يَدَعُهَا لِغَيْرِهِ وَ(يَنْتَقِلُ لِمُؤَخِّرَةِ) الْقَوَائِمِ، فَيَضَعُهَا عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى أَيْضًا ثُمَّ يَدَعُهَا لِغَيْرِهِ، (ثُمَّ) يَنْتَقِلُ إلَى (يُمْنَى مُقَدَّمَةٍ) مِنْ الْقَوَائِمِ، وَهِيَ الَّتِي عَلَى يَسَارِ الْمَيِّتِ، فَيَضَعُهَا (عَلَى كَتِفٍ يُسْرَى، ثُمَّ) يَدَعُهَا لِغَيْرِهِ، وَ(يَنْتَقِلُ لِمُؤَخِّرَةِ) قَوَائِمِ السَّرِيرِ الْيُمْنَى، فَيَضَعُهَا عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى أَيْضًا، فَيَكُونُ الْبَدْءُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِالرَّأْسِ وَالْخَتْمُ مِنْهُمَا بِالرِّجْلَيْنِ، كَغُسْلِهِ، وَلَا يَقُولُ فِي حَمْلِ السَّرِيرِ مُسْلِمٌ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ؛ بَلْ بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَيَذْكُرُ اللَّهَ إذَا نَاوَلَ السَّرِيرَ نَصًّا. (وَكَرِهَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ التَّرْبِيعَ) فِي الْحَمْلِ (مَعَ زِحَامٍ) عَلَى الْجِنَازَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ. (وَلَا يُكْرَهُ) الـ (حَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ)، أَيْ: قَائِمَتَيْ السَّرِيرِ، (كُلِّ) عَمُودٍ (عَلَى عَاتِقٍ) نَصًّا، لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ» وَأَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ حَمَلَ جِنَازَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَيَبْدَأُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ، كَمَا فِي الرِّعَايَةِ (وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا)، أَيْ: بَيْنَ التَّرْبِيعِ وَالْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ (أَوْلَى) قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالتَّنْقِيحِ وَقَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ: وَلَيْسَ هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا هَذَا إذَا قُلْنَا: لَيْسَ التَّرْبِيعُ أَفْضَلَ، وَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ أَفْضَلِيَّةَ التَّرْبِيعِ عَلَى الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ لَا تَمْنَعُ أَفْضَلَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّرْبِيعِ، كَمَا ذَكَرُوا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجَرِ، وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْمَاءِ وَلِهَذَا تَبِعَ الْمُصَنِّفُ صَاحِبَ الْفُرُوعِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. (وَلَا) بَأْسَ بِحَمْلِ الْمَيِّتِ (بِأَعْمِدَةٍ لِحَاجَةٍ) كَجِنَازَةِ ابْنِ عُمَرَ (وَلَا) بَأْسَ بِحَمْلِهِ (عَلَى دَابَّةٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) كَبُعْدِ قَبْرِهِ، وَسِمَنِ جُثَّتِهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَحْرُمُ عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ أَوْ هَيْئَةٍ يُخَافُ مَعَهَا سُقُوطُهَا. (وَلَا) يُكْرَهُ حَمْلُ (طِفْلٍ عَلَى يَدَيْهِ) وَيُسْتَحَبُّ سَتْرُ نَعْشِ الْمَرْأَةِ بِالْمِكَبَّةِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَكَذَا مَنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ عَلَى نَعْشٍ إلَّا بِمُثْلَةٍ كَحَدَبٍ وَفِي الْفُصُولِ: الْمُقَطَّعُ تُلَفَّقُ أَعْضَاؤُهُ بِطِينِ حَرٍّ وَنَفْطٍ حَتَّى لَا يَتَبَيَّنَ تَشْوِيهُهُ، فَإِنْ ضَاعَتْ؛ لَمْ يُعْمَلْ شَكْلُهَا مِنْ طِينٍ، قَالَ: وَالْوَاجِبُ جَمْعُ أَعْضَائِهِ فِي كَفَنٍ وَاحِدٍ وَقَبْرٍ وَاحِدٍ. (وَسُنَّ مَعَ تَعَدُّدِ جَنَائِزَ تَقْدِيمُ أَفْضَلِهَا إمَامًا بِمَسِيرٍ)، فَيَكُونُ مَتْبُوعًا لَا تَابِعًا.
(وَ) سُنَّ (إسْرَاعٌ بِهَا)، أَيْ: الْجِنَازَةِ، لِحَدِيثِ: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُنْ صَالِحَةً؛ فَخَيْرٌ تَقْدَمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيَكُونُ الْإِسْرَاعُ (دُونَ الْخَبَبِ) نَصًّا، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «أَنَّهُ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ تُمْخَضُ مَخْضًا، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي جَنَائِزِكُمْ» رَوَاه أَحْمَدُ. وَلِأَنَّهُ يَمْخُضُهَا وَيُؤْذِي حَامِلَهَا وَمُتَّبِعَهَا، وَالْخَبَبُ، خَطْوٌ فَسِيحٌ دُونَ الْعَنَقِ، وَفَوْقَ الرَّمَلِ. (مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ)، أَيْ: الْمَيِّتِ (مِنْهُ)، أَيْ: الْإِسْرَاعِ، فَيَمْشِي بِهِ الْهُوَيْنَا.
(وَ) سُنَّ اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَكَوْنُ مَاشٍ) مَعَهَا (أَمَامَهَا)، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَعَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّهُمْ شُفَعَاؤُهُ.
(وَ) سُنَّ كَوْنُ (رَاكِبٍ وَلَوْ سَفِينَةً خَلْفَهَا) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا: «الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (وَكُرِهَ لَهُ)، أَيْ: لِمُتَّبِعِ الْجِنَازَةِ رَاكِبًا أَنْ يَكُونَ (أَمَامَهَا)، قَالَ الْمَجْدُ: (كـَ) كَرَاهَتِهِ لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا رُكْبَانًا، فَقَالَ: أَلَا تَسْتَحْيُونَ، إنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظَهْرِ الدَّوَابِّ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ. (لِغَيْرِ حَاجَةٍ) كَمَرَضٍ (وَ) لِغَيْرِ (عَوْدٍ) فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ عَائِدًا مُطْلَقًا لَمْ يُكْرَهْ، لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَ جِنَازَةَ ابْنِ الدَّحْدَاحِ مَاشِيًا، وَرَجَعَ عَلَى فَرَسٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ. (وَقُرْبُ) مُتَّبِعِ الْجِنَازَةِ (مِنْهَا أَفْضَلُ)، لِأَنَّهَا كَالْإِمَامِ (وَكُرِهَ تَقَدُّمُهَا لِمَوْضِعِ صَلَاةٍ) عَلَيْهَا.
وَ(لَا) يُكْرَهُ تَقَدُّمُهَا (لِمَقْبَرَةٍ، وَ) كُرِهَ (جُلُوسُ تَابِعِهَا حَتَّى تُوضَعَ بِأَرْضٍ لِدَفْنٍ) نَصًّا، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «إذَا تَبِعْتُمْ الْجِنَازَةَ فَلَا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ» قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فِيهِ: حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ (إلَّا لِمَنْ بَعُدَ)، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ وَضْعِهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ.
(وَ) كُرِهَ (قِيَامٌ لَهَا)، أَيْ: الْجِنَازَةِ (إنْ جَاءَتْ أَوْ مَرَّتْ بِهِ وَهُوَ جَالِسٌ)، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ: «رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْنَا تَبَعًا لَهُ، وَقَعَدَ فَقَعَدْنَا تَبَعًا لَهُ، يَعْنِي: فِي الْجِنَازَةِ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «قَامَ ثُمَّ قَعَدَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
(وَ) كُرِهَ (مَسْحُهُ بِيَدِهِ) عَلَى الْجِنَازَةِ، (أَوْ) مَسْحُهُ (بِشَيْءٍ عَلَيْهَا تَبَرُّكًا)، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هُوَ بِدْعَةٌ يُخَافُ مِنْهُ عَلَى الْمَيِّتِ، قَالَ: وَهُوَ قَبِيحٌ فِي الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ، لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ فِي أَخْلَاقِ أَحْمَدَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى أَحْمَدَ، ثُمَّ مَسَحَهَا عَلَى يَدَيْهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ، فَغَضِبَ شَدِيدًا، وَجَعَلَ يَنْفُضُ يَدَهُ، وَيَقُولُ: عَمَّنْ أَخَذْتُمْ هَذَا؟ وَأَنْكَرَهُ.
(وَ) كُرِهَ (رَفْعُ صَوْتٍ) عِنْدَ رَفْعِهَا وَ(مَعَهَا)، أَيْ: الْجِنَازَةِ، (وَلَوْ بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ)، لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ. (وَسُنَّ) لِمُتَّبِعِيهَا قِرَاءَةُ قُرْآنٍ وَذِكْرُ اللَّهِ (سِرًّا).
(وَ) كُرِهَ (أَنْ تَتَّبِعَهَا امْرَأَةٌ)، لِحَدِيثِ «أُمِّ عَطِيَّةَ نَهَانَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. أَيْ: لَمْ يُحَتِّمْ عَلَيْنَا تَرْكَ اتِّبَاعِهَا، (أَوْ تُتَّبَعَ بِمَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِ) كَمَطْعُومٍ وَمَشْرُوبٍ، (أَوْ) تُتَّبَعَ (بِنَارٍ) لِلْخَبَرِ، قِيلَ: سَبَبُ الْكَرَاهَةِ: كَوْنُهُ مِنْ شِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ: تَفَاؤُلًا بِالنَّارِ (إلَّا لِحَاجَةِ ضَوْءٍ) كَمَا لَوْ دُفِنَتْ بِاللَّيْلِ، فَلَا يُكْرَهُ وَلِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا. (وَمِثْلُهُ تَبْخِيرٌ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ)، فَيُكْرَهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، (وَحَرُمَ أَنْ يَتَّبِعَهَا مَعَ مُنْكَرٍ نَحْوَ صُرَاخٍ وَنَوْحٍ عَاجِزٌ عَنْ إزَالَتِهِ)، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِمَاعِ مَحْظُورٍ وَرُؤْيَتِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ، (وَيَلْزَمُ الْقَادِرَ إزَالَتُهُ) لِلْخَبَرِ. (وَضَرْبُهُنَّ)، أَيْ: النِّسَاءِ (بِدُفٍّ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَلْقٌ وَلَا صُنُوجٌ (مُنْكَرٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ اتِّفَاقًا) (وَقَوْلُ الْقَائِلِ مَعَهَا)، أَيْ: الْجِنَازَةِ: (اسْتَغْفِرُوا لَهُ، وَنَحْوُهُ، بِدْعَةٌ) عِنْدَ أَحْمَدَ، وَكَرِهَهُ (وَحَرَّمَهُ أَبُو حَفْصٍ) نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: وَمَا يُعْجِبُنِي، وَرَوَى سَعِيدٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَا لِقَائِلِ ذَلِكَ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ. (وَسُنَّ كَوْنُ تَابِعِهَا)، أَيْ: الْجِنَازَةِ (مُتَخَشِّعًا مُتَفَكِّرًا فِي مَآلِهِ) أَيْ: أَمْرِهِ الَّذِي يَئُولُ إلَيْهِ وَيَرْجِعُ (مُتَّعِظًا بِالْمَوْتِ وَبِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ الْمَيِّتُ)، قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: مَا اتَّبَعْتُ جِنَازَةً فَحَدَّثْتُ نَفْسِي بِغَيْرِ مَا هُوَ مَفْعُولٌ بِهَا.

.(فَرْعٌ): [اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ]:

(اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ سُنَّةٌ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَحَدِيثِ الْبَرَاءِ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَهُوَ)، أَيْ: اتِّبَاعُهَا (حَقٌّ لِلْمَيِّتِ وَأَهْلِهِ)، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ قَدَّرَ لَوْ انْفَرَدَ الْمَيِّتُ لَمْ يَسْتَحِقَّ هَذَا الْحَقَّ لِمُزَاحِمٍ أَوْ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ تَبِعَهُ، لِأَجْلِ أَهْلِهِ إحْسَانًا إلَيْهِمْ لِتَأَلُّفٍ أَوْ مُكَافَأَةٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ. (وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ مِنْ الْخَيْرِ أَنْ يَتَّبِعَهَا لِقَضَاءِ حَقِّ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ)، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفَ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَتَّبِعَهَا إلَى الْقَبْرِ، ثُمَّ يَقِفَ حَتَّى تُدْفَنَ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقِفَ بَعْدَ الدَّفْنِ فَيَسْتَغْفِرَ لَهُ وَيَسْأَلَ اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ، وَيَدْعُوَ لَهُ بِالرَّحْمَةِ. (وَنَقَلَ حَنْبَلٌ)، وَهُوَ عَمُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: (لَا بَأْسَ بِقِيَامِهِ عَلَى الْقَبْرِ حَتَّى تُدْفَنَ جَبْرًا وَإِلْزَامًا) وَوَقَفَ عَلِيٌّ عَلَى قَبْرٍ، فَقِيلَ: أَلَا تَجْلِسُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: قَلِيلٌ عَلَى أَخِينَا قِيَامُنَا عَلَى قَبْرِهِ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ مُحْتَجًّا بِهِ. (وَ كَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ إذَا حَضَرَ جِنَازَةً هُوَ وَلِيُّهَا لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى تُدْفَنَ)، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ.

.(فَصْلٌ) فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ:

(وَدَفْنُهُ بـِ) مَحَلٍّ (مَحْفُورٍ) مِنْ نَحْوِ أَرْضٍ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) وَقَدْ أَرْشَدَ اللَّهُ قَابِيلَ إلَى دَفْنِ أَخِيهِ هَابِيلَ، وَأَبَانَ ذَلِكَ بِبَعْثِ غُرَابٍ يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْف يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}، أَيْ: جَامِعَةً لِلْأَحْيَاءِ فِي ظَهْرِهَا بِالْمَسَاكِنِ، وَالْأَمْوَاتِ فِي بَطْنِهَا فِي الْقُبُورِ، وَالْكَفْتُ: الْجَمْعُ، وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ أَكْرَمَهُ بِدَفْنِهِ. (وَيَسْقُطُ هُوَ)، أَيْ: الدَّفْنُ (وَتَكْفِينٌ وَحَمْلٌ) لِمَيِّتٍ (بـِ) فِعْلِ (كَافِرٍ)، لِأَنَّ فَاعِلَهَا لَا يَخْتَصُّ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ.
(وَ) يَسْقُطُ أَيْضًا بِـ (غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَيُقَدَّمُ بِتَكْفِينِ) ذَكَرٍ وَأُنْثَى (مَنْ يُقَدَّمُ بِغُسْلِ) هَا، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ، (وَنَائِبُهُ كَهُوَ) فَيُقَدَّمُ النَّائِبُ عَلَى مَنْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسْتَنِيبُهُ. (وَيَتَّجِهُ: غَيْرُ وَصِيٍّ)، أَيْ: فَلَيْسَ نَائِبُ الْوَصِيِّ كَهُوَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْمُوصِي غَرَضٌ فِي تَغْسِيلِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَكَذَا فِي صَلَاةٍ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ قَدْ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَالْأَوْلَى) لِغَاسِلٍ (تَوَلِّيهِ)، أَيْ: التَّكْفِينِ (بِنَفْسِهِ) دُونَ نَائِبِهِ مُحَافَظَةً عَلَى تَقْلِيلِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْمَيِّتِ.
(وَ) يُقَدَّمُ (بِدَفْنِ رَجُلٍ)، أَيْ: ذَكَرٍ (مَنْ يُقَدَّمُ بِغُسْلِهِ) لِأَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْحَدَهُ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَأُسَامَةُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى سَتْرِ أَحْوَالِهِ، وَقِلَّةِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، (فَالْأَجَانِبُ) مِنْ الرِّجَالِ يَقُومُونَ بِدَفْنِهِ عَلَى أَقَارِبِهِ مِنْ النِّسَاءِ، لِأَنَّهُنَّ يَضْعُفْنَ عَنْ إدْخَالِهِ الْقَبْرَ، وَلِأَنَّ الْجِنَازَةَ يَحْضُرُهَا جُمُوعُ الرِّجَالِ غَالِبًا، وَفِي نُزُولِ النِّسَاءِ الْقَبْرَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ تَعْرِيضٌ لَهُنَّ بِالْهَتْكِ وَالْكَشْفِ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ، (فَمَحَارِمُهُ) مِنْ (النِّسَاءِ، فَالْأَجْنَبِيَّاتُ) لِلْحَاجَةِ إلَى دَفْنِهِ، وَعَدَمِ غَيْرِهِنَّ.
(وَ) الْأَوْلَى (بِدَفْنِ امْرَأَةٍ مَحَارِمُهَا الرِّجَالُ) الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، لِأَنَّ امْرَأَةَ عُمَرَ لَمَّا تُوُفِّيَتْ قَالَ لِأَهْلِهَا: أَنْتُمْ أَحَقُّ بِهَا، وَلِأَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِوِلَايَتِهَا حَالَ الْحَيَاةِ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ، (فَزَوْجٌ)، لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِمَحْرَمِهَا مِنْ النَّسَبِ مِنْ الْأَجَانِبِ، (فَأَجَانِبُ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَتْ ابْنَتُهُ أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ، فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا» وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَارِمَهَا كُنَّ هُنَاكَ كَأُخْتِهَا فَاطِمَةَ، وَلِأَنَّ تَوَلِّيَ النِّسَاءِ لِذَلِكَ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَفُعِلَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَصْرِ خُلَفَائِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ، (فَمَحَارِمُهَا النِّسَاءُ) الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى مِنْهُنَّ كَالرِّجَالِ، (وَيُقَدَّمُ مِنْ رِجَالٍ) فِي دَفْنِ امْرَأَةٍ (خَصِيٌّ، فَشَيْخٌ، فَأَفْضَلُ دِينًا وَمَعْرِفَةً، وَمَنْ بَعُدَ عَهْدُهُ بِجِمَاعٍ أَوْلَى مِمَّنْ قَرُبَ) عَهْدُهُ بِهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ: وَالْخُنْثَى كَامْرَأَةٍ فِي ذَلِكَ احْتِيَاطًا. (وَلَا يُكْرَهُ لِرِجَالٍ) أَجَانِبَ (دَفْنُ امْرَأَةٍ وَثَمَّ مَحْرَمٌ) لَهَا، نَصَّ عَلَيْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ أَبِي طَلْحَةَ. (وَكُرِهَ دَفْنٌ عِنْدَ طُلُوعِ شَمْسٍ وَقِيَامِهَا وَعِنْدَ غُرُوبِهَا) وَتَقَدَّمَ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ.
وَ(لَا) يُكْرَهُ الدَّفْنُ (لَيْلًا) قَالَ أَحْمَدُ فِي الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ أَبُو بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلًا، وَعَلِيٌّ دَفَنَ فَاطِمَةَ لَيْلًا، وَالدَّفْنُ نَهَارًا أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى مُتَّبِعِهَا، وَأَكْثَرُ لِلْمُصَلِّينَ، وَأَمْكَنُ لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ فِي دَفْنِهِ. (وَلَحْدٌ) أَفْضَلُ مِنْ شَقٍّ، وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ؛ أَنْ يَحْفِرَ فِي أَسْفَلِ حَائِطِ الْقَبْرِ حُفْرَةً تَسَعُ الْمَيِّتَ، وَأَصْلُهُ: الْمَيْلُ. (وَكَوْنُهُ)، أَيْ: اللَّحْدِ (مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) أَفْضَلُ، فَيَكُونُ ظَهْرُهُ إلَى جِهَةِ مُلْحِدِهِ. (وَنَصْبُ لَبِنٍ)، أَيْ: طُوبٍ غَيْرِ مَشْوِيٍّ (عَلَيْهِ)، أَيْ: اللَّحْدِ (أَفْضَلُ) مِنْ نَصْبِ حِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ «سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَيَجُوزُ بِبَلَاطٍ، (وَكُرِهَ شَقُّ قَبْرٍ) قَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّ الشَّقَّ لِحَدِيثِ: «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ. (وَهُوَ)، أَيْ: الشَّقُّ (حَفْرُ وَسَطِهِ)، أَيْ: الْقَبْرِ (كَحَوْضٍ، أَوْ بِنَاءُ جَانِبَيْهِ بِنَحْوِ لَبِنٍ لِيُوضَعَ مَيِّتٌ فِيهِ)، وَيُسْقَفُ عَلَيْهِ بِبَلَاطٍ وَنَحْوِهِ (بِلَا عُذْرٍ) كَرَخَاوَةِ أَرْضٍ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ وَاحْتِيجَ إلَى الشَّقِّ لِكَوْنِ التُّرَابِ يَنْهَالُ، وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِنَصْبِ لَبِنٍ وَلَا حِجَارَةٍ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يُكْرَهْ الشَّقُّ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَجْعَلَ شِبْهَ اللَّحْدِ مِنْ الْجَنَادِلِ وَالْحِجَارَةِ وَاللَّبِنِ، جَعَلَ نَصًّا، وَلَمْ يَعْدِلْ إلَى الشَّقِّ.
(وَ) كُرِهَ (إدْخَالُهُ) إلَى الْقَبْرِ (خَشَبًا إلَّا لِضَرُورَةٍ وَ) إدْخَالُهُ (مَا مَسَّتْهُ نَارٌ) كَآجُرٍّ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ.
(وَ) كُرِهَ (دَفْنٌ بِتَابُوتٍ وَلَوْ امْرَأَةً)، قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ اللَّبِنَ، وَيَكْرَهُونَ الْخَشَبَ، وَلَا يَسْتَحِبُّونَ الدَّفْنَ فِي تَابُوتٍ، لِأَنَّهُ خَشَبٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَرْضُ أَنْشَفُ لِفَضَلَاتِهِ، وَتَفَاؤُلًا أَنْ لَا يَمَسَّ الْمَيِّتَ نَارٌ. (وَسُنَّ أَنْ يُعَمَّقَ) قَبْرٌ (وَيُوَسَّعَ قَبْرٌ بِلَا حَدٍّ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ: «احْفِرُوا، وَأَوْسِعُوا، وَأَعْمِقُوا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّ التَّعْمِيقَ أَبْعَدُ لِظُهُورِ الرَّائِحَةِ، وَأَمْنَعُ لِلْوُحُوشِ، وَالتَّوْسِيعُ: الزِّيَادَةُ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَالتَّعْمِيقُ: بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: الزِّيَادَةُ فِي النُّزُولِ. (وَيَكْفِي مَا)، أَيْ: تَعْمِيقٌ (يَمْنَعُ السِّبَاعَ وَالرَّائِحَةَ)، لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ.
(وَ) سُنَّ (أَنْ يُسْجَى)، أَيْ: يُغَطَّى قَبْرٌ حِينَ الدَّفْنِ (لِأُنْثَى) وَلَوْ صَغِيرَةً، لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ (وَ) لِـ (خُنْثَى)، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً. (وَكُرِهَ) أَنْ يُسْجَى قَبْرٌ (لِرَجُلٍ إلَّا لِعُذْرٍ) مِنْ (نَحْوِ مَطَرٍ)، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ وَقَدْ دَفَنُوا مَيِّتًا وَبَسَطُوا عَلَى قَبْرِهِ الثَّوْبَ، فَجَذَبَهُ وَقَالَ: إنَّمَا يُصْنَعُ هَذَا إلَى النِّسَاءِ» وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَفِي فِعْلِ ذَلِكَ لَهُ تَشَبُّهٌ بِالنِّسَاءِ. (وَسُنَّ أَنْ يُدْخَلَ)، أَيْ: الْقَبْرَ (مَيِّتٌ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ)، أَيْ: الْقَبْرِ بِأَنْ يُوضَعَ النَّعْشُ آخِرَ الْقَبْرِ، فَيَكُونُ رَأْسُ الْمَيِّتِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ رِجْلَاهُ إذَا دُفِنَ، ثُمَّ يُسَلُّ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ سَلًّا رَفِيقًا، فَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ بِرَأْسِهِ (لَا بِرِجْلَيْهِ)، لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ» (إنْ كَانَ) ذَلِكَ (أَسْهَلَ) بِالْمَيِّتِ (وَإِلَّا) يَكُنْ إدْخَالُهُ، مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ أَسْهَلُ (فـَ) يُدْخِلُهُ (مِنْ حَيْثُ سَهُلَ) إدْخَالُهُ مِنْهُ، إذْ الْمَقْصُودُ الرِّفْقُ بِالْمَيِّتِ، (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَتْ الْكَيْفِيَّاتُ فِي السُّهُولَةِ؛ فَهُوَ (سَوَاءٌ) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ عِنْدِ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَقَالَ: هَذَا مِنْ السُّنَّةِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ. (وَمَنْ) مَاتَ (بِسَفِينَةٍ وَخِيفَ) بِإِبْقَائِهِ (فَسَادُهُ، يُلْقَى بِبَحْرٍ بَعْدَ) غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَ(تَثْقِيلِهِ بِشَيْءٍ) لِيَسْتَقِرَّ فِي قَرَارِ الْبَحْرِ، وَيَكُونُ إلْقَاؤُهُ فِي الْبَحْرِ (كَإِدْخَالِهِ الْقَبْرَ)، وَإِنْ كَانُوا بِقُرْبِ السَّاحِلِ وَأَمْكَنَهُمْ دَفْنُهُ فِيهِ وَجَبَ.
(وَ) سُنَّ (قَوْلُ مُدْخِلِهِ) الْقَبْرَ: (بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «إذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقَبْرِ، فَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ» رَوَاه أَحْمَدُ (وَإِنْ أَتَى) عِنْدَ إلْحَادِهِ (بِذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ يَلِيقُ)، أَوْ قَرَأَ آيَةً نَحْوَ {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} الْآيَةَ (فَلَا بَأْسَ)، لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْحَالِ.
(وَ) سُنَّ (أَنْ يُلْحَدَ) مَيِّتٌ (عَلَى شِقٍّ أَيْمَنَ)، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّائِمَ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ، (وَيُفْضَى بِخَدِّهِ لِلْأَرْضِ)، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِاسْتِكَانَةِ، (فَيُرْفَعُ الْكَفَنُ لِيُلْصَقَ) خَدُّهُ (بِهَا)، أَيْ: الْأَرْضِ، لِقَوْلِ عُمَرَ: إذَا أَنَا مِتَّ فَأَفْضُوا بِخَدِّي إلَى الْأَرْضِ.
(وَ) سُنَّ أَنْ (يُسْنَدُ خَلْفَهُ)- أَيْ: الْمَيِّتِ- بِتُرَابٍ، لِئَلَّا يَسْقُطَ عَلَى قَفَاهُ، (وَ) يُسْنَدَ (أَمَامُهُ بِتُرَابٍ، لِئَلَّا يَسْقُطَ) فَيَنْكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُدْنَى مِنْ الْحَائِطِ.
(وَ) سُنَّ: أَنْ يُجْعَلَ (تَحْتَ رَأْسِهِ) شَيْءٌ لِيَرْتَفِعَ عَنْ الْأَرْضِ، (وَأَفْضَلُهُ لَبِنَةٌ)، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ (فَحَجَرٌ)، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ (فَتُرَابٌ)، لِأَنَّهُ شِبْهُ الْمِخَدَّةِ لِلنَّائِمِ، وَلِئَلَّا يَمِيلَ رَأْسُهُ، (وَتُكْرَهُ مِخَدَّةٌ) تُجْعَلُ تَحْتَ رَأْسِهِ نَصًّا، لِأَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِالْحَالِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ.
(وَ) تُكْرَهُ (مِضْرَبَةٌ وَقَطِيفَةٌ تَحْتَهُ)، أَيْ: الْمَيِّتِ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُلْقَى تَحْتَ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ. ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى: لَا تَجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَ الْأَرْضِ شَيْئًا، وَالْقَطِيفَةُ الَّتِي وُضِعَتْ تَحْتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا وَضَعَهَا شُقْرَانُ، وَلَمْ يَكُنْ عَنْ اتِّفَاقٍ مِنْ الصَّحَابَةِ.
(وَ) يُكْرَهُ (جَعْلُ حَدِيدٍ فِيهِ)، أَيْ: اللَّحْدِ (وَلَوْ أَنَّ الْأَرْضَ رِخْوَةٌ) تَفَاؤُلًا بِأَنْ لَا يُصِيبَهُ عَذَابٌ، لِأَنَّهُ آلَتُهُ. (وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ)- أَيْ: الْمَيِّتِ- (الْقِبْلَةَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ: قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وَلِأَنَّهُ طَرِيقَةُ الْمُسْلِمِينَ بِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ. (وَيَتَعَاهَدُ) مُلْحِدُهُ (خِلَالَ اللَّبِنِ بِسَدِّهِ بِمَدَرٍ وَنَحْوِهِ) كَأَحْجَارٍ صِغَارٍ، (ثُمَّ يُطَيِّنُ فَوْقَهُ) لِئَلَّا يُنْتَخَلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ. (وَسُنَّ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ حَثْوُ تُرَابٍ عَلَيْهِ)، أَيْ: الْمَيِّتِ (ثَلَاثًا بِالْيَدِ ثُمَّ يُهَالُ) عَلَيْهِ التُّرَابُ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ فِيهِ: «فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثًا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَى مَعْنَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَزَادَ: «وَهُوَ قَائِمٌ». وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ الْمَيِّتُ عَلَى الْأَرْضِ، وَيُوضَعَ عَلَيْهِ جِبَالٌ مِنْ تُرَابٍ، أَوْ يُبْنَى عَلَيْهِ بِنَاءٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَفْنٍ.
(وَ) سُنَّ (رَشُّهُ)، أَيْ: الْقَبْرِ (بِمَاءٍ)، لِمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ مَاءً، وَوَضَعَ عَلَيْهِ الْحَصْبَاءَ» رَوَاه الشَّافِعِيُّ.
(وَ) سُنَّ (رَفْعُهُ)، أَيْ: الْقَبْرِ عَنْ الْأَرْضِ (قَدْرَ شِبْرٍ) لِيُعْرَفَ أَنَّهُ قَبْرٌ، فَيُتَوَقَّى وَيُتَرَحَّمَ عَلَى صَاحِبِهِ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ قَبْرُهُ عَنْ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ»
(وَ) سُنَّ (وَضْعُ حَصًى صِغَارٍ عَلَيْهِ لِحِفْظِ تُرَابِهِ)- أَيْ: الْقَبْرِ- لِئَلَّا يَنْدَرِسَ فَيُوطَأَ بِالْأَقْدَامِ. (وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ): أَيْ: مَنْ حَثَى التُّرَابَ حِينَ فِعْلِهِ (أَوَّلَ حَثْيَةٍ: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} وَبِثَانِيَةٍ: {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} وَبِثَالِثَةٍ: {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ} الْآيَةَ)، أَيْ: يَقُولُ ذَلِكَ إلَى آخِرِ الْآيَةِ، لِأَنَّهَا تُنَاسِبُ الْحَالَ. (وَلَا) بَأْسَ (بِتَطْيِينِهِ)- أَيْ: الْقَبْرِ- لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: «قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّهْ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ، لَا مُشْرِفَةٍ، وَلَا لَاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ»، أَيْ مَجْعُولٍ عَلَيْهَا الْحَصْبَاءُ.
(وَ) لَا بَأْسَ بِـ (تَعْلِيمِهِ بِنَحْوِ حَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ وَكَلَوْحٍ) «لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَلَّمَهُ بِحَجَرٍ وُضِعَ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَقَالَ: أُعَلِّمُ قَبْرَ أَخِي حَتَّى أَدْفِنَ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَتَسْنِيمُ) الْقَبْرِ (أَفْضَلُ) مِنْ تَسْطِيحِهِ، لِقَوْلِ سُفْيَانَ التَّمَّارِ: رَأَيْتُ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ، وَلِأَنَّ التَّسْطِيحَ أَشْبَهَ بِبِنَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا، (إلَّا) مَنْ دُفِنَ (بِدَارِ حَرْبٍ) إنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) إلَّا إذَا دُفِنَ بِدَارِ (عَدُوٍّ) وَخِيفَ نَبْشُهُ، وَالتَّمْثِيلُ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (إنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهُ) مِنْهَا، (فَتَسْوِيَتُهُ)، أَيْ: الْقَبْرِ (بِأَرْضٍ وَإِخْفَاؤُهُ أَوْلَى) مِنْ إظْهَارِهِ وَتَسْنِيمِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: (وَيَتَّجِهُ: وَمَعَ عِلْمِ) دَافِنِيهِ (بِأَنَّ الْعَدُوَّ يَنْبُشُهُ)، أَيْ: الْقَبْرَ (يَجِبُ تَسْوِيَتُهُ وَإِخْفَاؤُهُ) صَوْنًا لَهُ عَنْ هَتْكِ الْحُرْمَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُسْتَحَبُّ جَمْعُ الْأَقَارِبِ) الْمَوْتَى فِي مَقْبَرَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي تَعْلِيمِ قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ. وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِزِيَارَتِهِمْ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ فِي (الْبِقَاعِ الشَّرِيفَةِ)، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَنَّ مُوسَى- عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةَ حَجَرٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» وَقَالَ عُمَرُ:«اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. (وَمُجَاوَرَةُ الصَّالِحِينَ) لِتَنَالَهُ بَرَكَتُهُمْ. (وَدَفْنٌ بِصَحْرَاءَ أَفْضَلُ) مِنْ دَفْنٍ بِعُمْرَانٍ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْفِنُ أَصْحَابَهُ بِالْبَقِيعِ، وَلَمْ تَزَلْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يُقْبِرُونَ فِي الصَّحَارَى، وَلِأَنَّهُ أَشْبَهَ بِمَسَاكِنِ الْآخِرَةِ (سِوَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَدُفِنَ بِبَيْتِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ: «لِئَلَّا يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِمَا رُوِيَ: «دَفْنُ الْأَنْبِيَاءِ حَيْثُ يَمُوتُونَ» وَصِيَانَةً لَهُ عَنْ كَثْرَةِ الطُّرَّاقِ، وَتَمْيِيزًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ. (وَاخْتَارَ صَاحِبَاهُ) أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ (الدَّفْنَ عِنْدَهُ تَشَرُّفًا وَتَبَرُّكًا) بِهِ. (وَلَمْ يُزَدْ) عَلَيْهِمَا (لِأَنَّ الْخَرْقَ) بِدَفْنِ غَيْرِهِمَا عِنْدَهُ (يَتَّسِعُ وَالْمَكَانُ ضَيِّقٌ، وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ تَدُلُّ عَلَى دَفْنِهِمْ كَمَا وَقَعَ) فَلَا يُنْكِرُهُ إلَّا بِدْعِيٌّ ضَالٌّ. (فَمَنْ وَصَّى بِدَفْنِهِ بِدَارٍ) فِي مِلْكِهِ، (أَوْ) فِي (أَرْضٍ بِمِلْكِهِ؛ دُفِنَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ). لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْوَرَثَةِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، أَيْ: بِسَبَبِ تَذَكُّرِهِ كُلَّمَا رَأَوْا الْقَبْرَ. لَا بِسَبَبِ تَصَرُّفِهِمْ، إذْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِمْ كَيْفَ شَاءُوا. (وَيُدْفَنُ) مَيِّتٌ (بِمُسَبَّلَةٍ وَلَوْ بِقَوْلِ بَعْضِ وَرَثَتِهِ). لِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا، وَلَا مِنَّةَ فِيهِ. (وَعَكْسُهُ الْكَفَنُ). أَيْ فَيُكَفَّنُ مِنْ تَرِكَتِهِ. وَلَوْ كَانَ ثَمَّ أَكْفَانُ وَقْفٍ. (وَيُقَدَّمُ فِيهَا)، أَيْ: الْمُسَبَّلَةِ عِنْدَ ضِيقٍ (بِسَبْقٍ). لِأَنَّهُ سَبْقٌ إلَى مُبَاحٍ، (ثُمَّ) مَعَ تَسَاوٍ فِي سَبْقٍ؛ يُقَدَّمُ بِـ (قُرْعَةٍ)، لِأَنَّهَا لِتَمْيِيزِ مَا أُبْهِمَ. (وَحَرُمَ حَفْرٌ فِيهَا)، أَيْ: الْمُسَبَّلَةِ (قَبْلَ حَاجَةٍ) إلَيْهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ هُنَا مَا فِي الْمُصَلَّى الْمَفْرُوشِ. (وَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ مَوْضِعَ قَبْرِهِ وَيُوصِي بِدَفْنِهِ فِيهِ) فَعَلَهُ عُثْمَانُ وَعَائِشَةُ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ) وَارِثٍ (مَا دُفِنَ فِيهِ) الْمَيِّتُ (مِنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ يُجْعَلْ)، أَيْ: يَصِيرُ (مَقْبَرَةً) نَصًّا، لِبَقَاءِ مِلْكِهِمْ، فَإِنْ جُعِلَتْ مَقْبَرَةً: صَارَتْ وَقْفًا.

.(فَرْعٌ): [الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ]:

(يُسَنُّ دُعَاءٌ لِمَيِّتٍ عِنْدَ قَبْرٍ بَعْدَ دَفْنِهِ وَاقِفًا) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: قَدْ فَعَلَهُ عَلِيُّ وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقِفُ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَمَا يُسَوِّي عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ نَزَلَ بِكَ صَاحِبُنَا، وَخَلَّفَ الدُّنْيَا خَلْفَ ظَهْرِهِ اللَّهُمَّ ثَبِّتْ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ مَنْطِقَهُ، وَلَا تَبْتَلِهِ فِي قَبْرِهِ بِمَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ» رَوَاه سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ. وَالْأَخْبَارُ بِنَحْوِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} مَعْنَاهُ بِالدُّعَاءِ لَهُ وَالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ دَفْنِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَادَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ. وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبِ النَّجَّارُ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي جِنَازَةٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَقُمْنَا نَاحِيَتَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ النَّاسُ مِنْ دَفْنِهِ، وَانْقَضَى الدَّفْنُ؛ جَاءَ إلَى الْقَبْرِ، وَأَخَذَ بِيَدِي، وَجَلَسَ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْقَبْرِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّك قُلْتَ فِي كِتَابِكَ: {فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} وَقَرَأَ إلَى آخِرِ السُّورَةِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ وَإِنَّا نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مَا كَذَّبَ بِكَ، وَلَقَدْ كَانَ يُؤْمِنُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، فَاقْبَلْ شَهَادَتَنَا لَهُ، وَدَعَا لَهُ وَانْصَرَفَ. (وَاسْتَحَبَّ الْأَكْثَرُ تَلْقِينَهُ إذَنْ فَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِهِ بَعْدَ تَسْوِيَةِ تُرَابٍ) عَلَيْهِ، (فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانَةَ، ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَ أُمِّهِ نَسَبَهُ إلَى حَوَّاءَ، ثُمَّ يَقُولُ: اُذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا، وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً، وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)، لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَسَوَّيْتُمْ عَلَيْهِ التُّرَابَ؛ فَلْيَقُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ وَلَا يُجِيبُ، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ ثَانِيَةً، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَرْشِدْنِي يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلَكِنْ لَا تَسْمَعُونَ، فَيَقُولُ: اُذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا، فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَقُولَانِ: مَا يُقْعِدُنَا عِنْدَهُ وَقَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَ أُمِّهِ؟ قَالَ: فَلْيَنْسُبْهُ إلَى حَوَّاءَ» قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي الشَّافِعِيِّ وَلِلطَّبَرَانِيِّ أَوْ لِغَيْرِهِ فِيهِ:«وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ» وَفِيهِ: «وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً، وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا» وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا الَّذِي يَصْنَعُونَ إذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ يَقِفُ الرَّجُلُ وَيَقُولُ: يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانَةَ اُذْكُرْ مَا فَارَقْتَ عَلَيْهِ: شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا فَعَلَ هَذَا إلَّا أَهْلُ الشَّامِ حِينَ مَاتَ أَبُو الْمُغِيرَةِ؛ جَاءَ إنْسَانٌ فَقَالَ ذَاكَ، وَكَانَ أَبُو الْمُغِيرَةِ يَرْوِي فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مَرْيَمَ عَنْ أَشْيَاخِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ (قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فَلَوْ انْصَرَفُوا قَبْلَهُ لَمْ يَعُودُوا)، لِأَنَّ الْخَبَرَ يُلْقُونَهُ قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ لِيَتَذَكَّرَ حُجَّتَهُ. (وَهَلْ يُلَقَّنُ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ؟) وَجْهَانِ: وَهَذَا الْخِلَافُ (مَبْنِيٌّ عَلَى نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ إلَيْهِ وَمَيْلُ جَمْعٍ) مِنْهُمْ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ: (لَا) يَنْزِلُ الْمَلَكَانِ لِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ فَلَا يُلَقَّنُ، (وَفِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْأَمْصَارِ. انْتَهَى.
وَرَجَحَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ أَبُو حَكِيمٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ الْأَصْحَابِ النُّزُولَ، وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُنْتَهَى (وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى طِفْلٍ لَمْ يَعْمَلْ خَطِيئَةً قَطُّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ قِه عَذَابَ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةَ الْقَبْرِ» قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْجَزْمِ بِنَفْيِ التَّعْذِيبِ، فَقَدْ يَكُونُ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرَى الْوَقْفَ فِيهِمْ. انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ أَجَابَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ فِيهِ عُقُوبَةَ الطِّفْلِ قَطْعًا، لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِلَا ذَنْبٍ عَمِلَهُ، بَلْ الْمُرَادُ: الْأَلَمُ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْمَيِّتِ بِسَبَبِ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُقُوبَةً عَلَى عَمَلٍ عَمِلَهُ، قَالَ: وَقَالَ الْآخَرُونَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ: السُّؤَالُ إنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ يَعْقِلُ الرَّسُولَ وَالْمُرْسِلَ، فَيُسْأَلُ: هَلْ آمَنَ بِالرَّسُولِ وَصَدَّقَ بِهِ أَمْ لَا؟ فَأَمَّا الطِّفْلُ الَّذِي لَا تَمْيِيزَ لَهُ بِوَجْهٍ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ وَلَوْ رُدَّ إلَيْهِ عَقْلُهُ فِي الْقَبْرِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَالْعِلْمِ بِهِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا السُّؤَالِ. (قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: يُسْأَلُ الْأَطْفَالُ عَنْ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ حِينَ الذُّرِّيَّةِ)، يُشِيرُ بِهِ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ سُؤَالُ تَكْرِيمٍ، وَسُؤَالُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنْ ثَبَتَ فَهُوَ سُؤَالُ تَشْرِيفٍ وَتَعْظِيمٍ، كَمَا أَنَّ التَّكَالِيفَ فِي دَارِ الدُّنْيَا الْبَعْضُ تَكْرِيمٌ، وَالْبَعْضُ امْتِحَانٌ وَنَكَالٌ. (وَالْكِبَارُ يُسْأَلُونَ عَنْ مُعْتَقِدِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَ) عَنْ (إقْرَارِهِمْ الْأَوَّلِ) حِينَ الذُّرِّيَّةِ، (وَاَللَّهُ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَعْلَمُ) (كُرِهَ رَفْعُ قَبْرٍ فَوْقَ شِبْرٍ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «لَا تَدَعْ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَالْمُشْرِفُ: مَا رُفِعَ كَثِيرًا، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ لَا مُشْرِفَةٍ، وَلَا لَاطِئَةٍ.
(وَ) كُرِهَ (زِيَادَةُ تُرَابِهِ)، أَيْ: الْقَبْرِ (بِلَا حَاجَةٍ)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «نُهِيَ أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ، أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
(وَ) كُرِهَ (تَزْوِيقُهُ)، أَيْ: الْقَبْرِ (وَتَخْلِيقُهُ وَنَحْوُهُ) كَطَلْيِهِ بِمَغْرَةٍ وَزَعْفَرَانٍ. (وَتَجْصِيصُهُ وَتَقْبِيلُهُ وَتَبْحِيرُهُ وَكِتَابَةُ رِقَاعٍ) وَإِرْسَالُهَا (إلَيْهِ وَدَسُّهَا فِيهِ، وَاسْتِشْفَاءٌ بِهِ مِنْ سَقَمٍ)، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْبِدَعِ (وَاتِّكَاءٌ إلَيْهِ وَمَبِيتٌ) عِنْدَهُ، (وَحَدِيثٌ) عِنْدَهُ (بِأَمْرِ دُنْيَا وَتَبَسُّمٌ عِنْدَهُ، وَضَحِكٌ أَشَدُّ) مِنْهُ كَرَاهَةً، (وَكِتَابَةٌ) عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. (وَجُلُوسٌ) عَلَيْهِ لِمَا رَوَى أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ؛ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
(وَ) كُرِهَ (وَطْءٌ) عَلَيْهِ، لِقَوْلِ الْخَطَّابِيِّ: ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنْ تُوطَأَ الْقُبُورُ» (وَ) كُرِهَ (مَشْيٌ عَلَيْهِ)، أَيْ: الْقَبْرِ، يَعْنِي: الْمَشْيَ بَيْنَ الْقُبُورِ (بِنَعْلٍ)، لِلْخَبَرِ (حَتَّى بِالتُّمُشْكِ: بِضَمِّ تَاءٍ فَمِيمٍ) مَضْمُومَةٍ، (فَسُكُونِ شِينٍ) مُعْجَمَةٍ: نَوْعٌ مِنْ النِّعَالِ.
وَ(لَا) يُكْرَهُ الْمَشْيُ بَيْنَهَا (بِخُفٍّ) لِمَشَقَّةِ نَزْعِهِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَعْلٍ، رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ لِلْجِنَازَةِ لَبِسَ خُفَّيْهِ. (وَسُنَّ خَلْعُهُ)، أَيْ: النَّعْلِ إذَا دَخَلَ الْمَقْبَرَةَ، لِحَدِيثِ بَشِيرِ ابْنِ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُمَاشِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلَانِ فَقَالَ: «يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ، فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمَّا عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَعَهُمَا فَرَمَى بِهِمَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد، وَقَالَ أَحْمَدُ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَاحْتِرَامًا لِأَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ (إلَّا خَوْفَ نَحْوِ نَجَاسَةٍ وَشَوْكٍ) وَحَرَارَةِ أَرْضٍ وَبُرُودَتِهَا، فَلَا يُكْرَهُ لِلْعُذْرِ. (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ الْفُسْطَاطَ وَالْخَيْمَةَ عَلَى الْقَبْرِ)، لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَوْصَى حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ «أَنْ لَا تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ فُسْطَاطًا عَلَى قَبْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: انْزِعْهُ يَا غُلَامُ؛ فَإِنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ، وَلِأَنَّ الْخِيَامَ بُيُوتُ أَهْلِ الْبَرِّ، فَكُرِهَتْ كَمَا كُرِهَتْ بُيُوتُ أَهْلِ الْمُدُنِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (فِي كِسْوَةِ الْقَبْرِ بِالثِّيَابِ: اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ هَذَا مُنْكَرٌ إذَا فُعِلَ بِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ؟ ) وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: تَغْشِيَةُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لَيْسَ مَشْرُوعًا فِي الدِّينِ. (وَيَتَّجِهُ: وَيَحْرُمُ) أَنْ يُكْسَى الْقَبْرُ (بِحَرِيرٍ) لِأَنَّهُ سَرَفٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ تَعُودُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُكْرَهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ)، أَيْ: الْقَبْرِ (سَوَاءٌ لَاصَقَ الْأَرْضَ أَوْ لَا، وَلَوْ فِي مِلْكِهِ مِنْ قُبَّةٍ وَغَيْرِهَا، لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ: «وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ» وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي) كِتَابِهِ (إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ) فِي مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ: (يَجِبُ هَدْمُ الْقِبَابِ الَّتِي عَلَى الْقُبُورِ، لِأَنَّهَا أُسِّسَتْ عَلَى مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ. انْتَهَى). (وَهُوَ)، أَيْ: الْبِنَاءُ (بـِ) مَقْبَرَةٍ (مُسَبَّلَةٍ أَشَدُّ كَرَاهَةً)، لِأَنَّهُ تَضْيِيقٌ بِلَا فَائِدَةٍ، وَاسْتِعْمَالٌ لِلْمُسَبَّلَةِ فِيمَا لَمْ تُوضَعْ لَهُ، (وَعَنْهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (مَنْعُ الْبِنَاءِ فِي وَقْفٍ عَامٍّ)، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ: رَأَيْتُ الْأَئِمَّةَ بِمَكَّةَ يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا يُبْنَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ الْأَشْهَرَ لَا يُمْنَعُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَنْقُولَ فِي هَذَا مَا سَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَمَّنْ اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَقْبَرَةِ قَالَ: لَا يُدْفَنُ فِيهَا، وَالْمُرَادُ: لَا تَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ كَغَيْرِهِ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ بَنَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ فَ (هُوَ غَاصِبٌ)، وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فِيهِ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ: فِي مِلْكِهِ إسْرَافٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ، وَكُلٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَ(قَالَ أَبُو حَفْصٍ: تَحْرُمُ الْحُجْرَةُ بَلْ تُهْدَمُ، وَهُوَ)، أَيْ: الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِ الْبِنَاءِ فِي الْمُسَبَّلَةِ (الصَّوَابُ)، لِمَا يَأْتِي فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ يَجِبُ صَرْفُهُ لِلْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ. (وَحَرُمَ إسْرَاجُ قُبُورٍ)، لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذَاتِ عَلَيْهِنَّ الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِلَا فَائِدَةٍ وَمُغَالَاةٌ فِي تَعْظِيمِ الْأَمْوَاتِ، يُشْبِهُ تَعْظِيمَ الْأَصْنَامِ. (وَكَذَا) يَحْرُمُ (طَوَافٌ بِهَا)، أَيْ: الْقُبُورِ، (خِلَافًا لَهُ)، لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ (هُنَا) حَيْثُ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ صَرَّحَ بِالْحُرْمَةِ. (وَحَرُمَ تَخَلٍّ) عَلَى قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهَا، لِحَدِيثِ: «لَأَنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ، وَلَا أُبَالِي أَوَسْطَ الْقَبْرِ قَضَيْتُ حَاجَتِي أَوْ وَسْطَ السُّوقِ» رَوَاه الْخَلَّالُ وَابْنُ مَاجَهْ.
(وَ) حَرُمَ (جَعْلُ مَسْجِدٍ عَلَيْهَا وَبَيْنَهَا)، أَيْ: الْقُبُورِ، لِلْخَبَرِ، (وَتَتَعَيَّنُ إزَالَتُهُ)- أَيْ: الْمَسْجِدِ- قَالَ فِي الْهَدْيِ: لَوْ وَضَعَ الْمَسْجِدَ وَالْقَبْرَ مَعًا؛ لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ، وَلَا الصَّلَاةُ.
(وَ) حَرُمَ (حَفْرُ) قَبْرٍ فَأَكْثَرَ (بِمُسَبَّلَةٍ قَبْلَ حَاجَةٍ) إلَيْهِ.
(وَ) حَرُمَ (دَفْنُ حُلِيٍّ أَوْ ثِيَابٍ مَعَ مَيِّتٍ)، لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ بِلَا فَائِدَةٍ.
(وَ) حَرُمَ (حَرْقُ مَالَهُ)، أَيْ: الْمَيِّتِ (وَتَكْسِيرُ نَحْوِ آنِيَةٍ) لَهُ كَآلَةِ صِنَاعَةٍ، وَتَعْطِيلُ مَحَلٍّ كَانَ يَسْكُنُهُ بِتَسْكِيرِهِ، أَوْ هَدْمِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ.
(وَ) حَرُمَ (قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ أَطْرَافِهِ) كَيَدِهِ وَنَحْوِهَا (وَإِحْرَاقُهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ)، أَيْ: بِفِعْلِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ، (وَلَا ضَمَانَ فِيهِ) عَلَى فَاعِلِهِ، لِامْتِثَالِهِ أَمْرَ الْمُوصِي؛ لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْوَارِثِ، (وَلِوَلِيِّهِ)، أَيْ: وَلِيِّ الْمَيِّتِ (الدَّفْعُ عَنْهُ)، أَيْ: دَفْعُ مُرِيدِ فِعْلِ ذَلِكَ بِأَطْرَافِ الْمَيِّتِ أَوْ مَالِهِ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، (وَإِنْ آلَ) الدَّفْعُ (لِإِتْلَافِ طَالِبِ) شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَأَتْلَفَهُ؛ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْوَلِيِّ كَمَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ. (وَحَرُمَ دَفْنُ غَيْرِهِ)، أَيْ: الْمَيِّتِ (مَعَهُ أَوْ عَلَيْهِ) وَلَوْ كَانَ مَحْرَمًا لَهُ (حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهُ)، أَيْ: الْأَوَّلَ (صَارَ تُرَابًا)، فَيَجُوزُ نَبْشُهُ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِقَاعِ وَالْبِلَادِ وَالْهَوَاءِ، وَهُوَ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ أَسْرَعُ مِنْهُ فِي الْبَارِدَةِ، وَإِنْ شَكَّ فِي أَنَّهُ بَلِيَ وَصَارَ تُرَابًا رَجَعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهِ، ثُمَّ إنْ وُجِدَ فِيهِ عِظَامٌ لَمْ يَجُزْ دَفْنُ آخَرَ عَلَيْهِ نَصًّا، (إلَّا لِحَاجَةٍ)، كَكَثْرَةِ مَوْتَى بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَجُوزُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِلْعُذْرِ، (وَسُنَّ حَجْزٌ بَيْنَهُمَا بِتُرَابٍ) يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَكْفِي الْكَفَنُ.
(وَ) سُنَّ (أَنْ يُقَدَّمَ لِلْقِبْلَةِ مَنْ يُقَدَّمُ لِإِمَامٍ) لَوْ جُمِعَتْ جَنَائِزُهُمْ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، لِحَدِيثِ «هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: شُكِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثْرَةُ الْجِرَاحَاتِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: احْفِرُوا وَوَسِّعُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ، وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ أَحْمَدُ: وَلَوْ جَعَلَ لَهُمْ شِبْهَ النَّهْرِ، وَجَعَلَ رَأْسَ أَحَدِهِمْ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزًا مِنْ تُرَابٍ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ. (وَحَرُمَ عِمَارَةُ قَبْرٍ دَثَرَ) وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بِلَى صَاحِبِهِ، (لِمَنْعِ دَفْنِ) النَّاسِ (فِيهِ) خُصُوصًا مَعَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، (وَلَعَلَّ الْمُرَادَ) مِنْ تَحْرِيمِ عِمَارَةِ قَبْرٍ دَثَرَ إذَا كَانَ (بِمُسَبَّلَةٍ)، لِئَلَّا يُتَصَوَّرَ بِصُورَةِ الْجَدِيدِ قِيَاسًا عَلَى تَحْرِيمِ الْحَفْرِ فِيهَا قَبْلَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. (وَإِذَا صَارَ الْمَيِّتُ تُرَابًا؛ جَازَ حَرْثُ قَبْرِهِ لِزَرْعٍ وَغَيْرِهِ) كَبِنَاءٍ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. (وَالْمُرَادُ) بِقَوْلِ أَبِي الْمَعَالِي: إذَا كَانَ الْقَبْرُ (بِغَيْرِ مُسَبَّلَةٍ) أَمَّا فِيهَا؛ فَلَا. (وَحَرُمَ دَفْنٌ بِمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لَهُ، (وَيُنْبَشُ) مَنْ دُفِنَ بِهِ، وَيُخْرَجُ نَصًّا. (وَيَتَّجِهُ): أَنَّهُ يُنْبَشُ (وُجُوبًا) وَيُدْفَنُ فِي مُسَبَّلَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ إنْ أَذِنَ مَالِكُهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَجِبُ نَبْشُ مَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ) وَقَدْ (أَمْكَنَ) تَغْسِيلُهُ قَبْلَ دَفْنِهِ تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ، فَيُخْرَجُ وَيُغَسِّلُهُ، مَا لَمْ يُخْشَ تَفَسُّخُهُ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ)، أَيْ: وَيَجِبُ نَبْشُ مَيِّتٍ إنْ كَانَ أَمْكَنَ تَيَمُّمُهُ وَدُفِنَ بِلَا (تَيَمُّمٍ)، كَمَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) دُفِنَ بِلَا (صَلَاةٍ) عَلَيْهِ فَيُخْرَجُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ يُرَدُّ إلَى مَضْجَعِهِ نَصًّا مَا لَمْ يُخْشَ تَفْسَخُهُ، لِأَنَّ مُشَاهَدَتَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَقْصُودَةٌ. (أَوْ) دُفِنَ بِلَا (كَفَنٍ)، فَيُخْرَجُ وَيُكَفَّنُ نَصًّا اسْتِدْرَاكًا لِلْوَاجِبِ، وَتُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وُجُوبًا، لِعَدَمِ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ عُرْيَانًا. (أَوْ) دُفِنَ (لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ)، فَيُنْبَشُ وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ (مَعَ أَمْنِ تَفَسُّخِهِ، أَوْ) أَمْنِ (تَغَيُّرِهِ فِي الْجَمِيعِ)، أَيْ: جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ. (وَيَتَّجِهُ: وَإِلَّا) يُؤْمَنْ تَفَسُّخُهُ أَوْ تَغَيُّرُهُ؛ (صُلِّيَ عَلَيْهِ بِقَبْرٍ كَ) مَا يُصَلَّى (عَلَى غَرِيقٍ)، وَهُوَ اتِّجَاهٌ جَيِّدٌ. (وَكَذَا) يُنْبَشُ وُجُوبًا (إنْ كُفِّنَ بِغَصْبٍ) وَيُرَدُّ الْكَفَنُ إلَى مَالِكِهِ إنْ تَعَذَّرَ غُرْمُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِلَّا لَمْ يُنْبَشْ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ مَعَ إمْكَانِ دَفْعِ التَّضَرُّرِ بِدُونِهَا، (أَوْ) كَانَ الْمَيِّتُ (بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ وَتَبْقَى مَالِيَّتُهُ) كَالذَّهَبِ وَنَحْوِهِ، (وَطَلَبَهُ رَبُّهُ) لَمْ يُنْبَشْ، وَغَرِمَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ صَوْنًا لِحُرْمَتِهِ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ، كَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبِقَ؛ تَجِبُ قِيمَتُهُ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَرَبِّهِ، (وَ) إنْ (تَعَذَّرَ غُرْمُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ) لِعَدَمِهَا؛ فَيُنْبَشُ (وَيُشَقُّ جَوْفُهُ) وَيُدْفَعُ الْمَالُ لِرَبِّهِ تَخْلِيصًا لِلْمَيِّتِ مِنْ إثْمِهِ. (قَالَ الْمَجْدُ: يَضْمَنُهُ)، أَيْ: الْكَفَنَ (مَنْ كَفَّنَهُ) بِهِ (عَالِمًا) أَنَّهُ مَغْصُوبٌ، لِمُبَاشَرَتِهِ الْإِتْلَافَ، (وَ) إنْ كَانَ كَفَّنَهُ بِهِ (جَهْلًا) بِكَوْنِهِ مَغْصُوبًا؛ (فَالْقَرَارُ)، أَيْ: قَرَارُ الضَّمَانِ (عَلَى الْغَاصِبِ) جَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ (وَ) إنْ بَلَعَهُ (بِإِذْنِهِ)، أَيْ: إذْنِ مَالِكِهِ أَخَذَهُ (إذَا بَلِيَ) الْمَيِّتُ، لِأَنَّ مَالِكَهُ هُوَ الْمُسَلَّطُ لَهُ عَلَى مَالِهِ بِالْإِذْنِ لَهُ، (أَوْ بَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ) لَمْ يُنْبَشْ قَبْلَ أَنْ يَبْلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ لِمَالِ نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ، إلَّا أَنْ يَمُوتَ (وَعَلَيْهِ دَيْنٌ)، فَيُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهُ، فَيُخْرَجُ وَيُوَفَّى دَيْنُهُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى تَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ. (أَوْ وَقَعَ وَلَوْ بِفِعْلِ رَبِّهِ فِي الْقَبْرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ عُرْفًا، وَطَلَبَهُ) رَبُّهُ؛ نُبِشَ وَأُخِذَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ وَضَعَ خَاتَمَهُ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: خَاتَمِي، فَدَخَلَ وَأَخَذَهُ، وَكَانَ يَقُولُ: أَنَا أَقْرَبُكُمْ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَحْمَدُ: إذَا نَسِيَ الْحَفَّارُ مِسْحَاتَهُ فِي الْقَبْرِ؛ جَازَ أَنْ يَنْبُشَ. (وَيَجُوزُ نَبْشُ) مَيِّتٍ (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَتَحْسِينِ كَفَنٍ)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَأَخْرَجَهُ فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) لِـ (إبْدَالِ كَفَنٍ حَرِيرٍ) أَوْ مَنْسُوجٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِتَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِهِ.
(وَ) يَجُوزُ نَبْشُهُ (لِإِفْرَادِ مَدْفُونٍ مَعَ غَيْرِهِ)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَ) يُنْبَشُ (مَدْفُونٌ لِعُذْرٍ بِلَا غُسْلٍ وَحَنُوطٍ)، فَيُغْسَلُ وَيُحَنَّطُ وَتُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) يُنْبَشُ مَيِّتٌ (مَدْفُونٌ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ)، لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ (أَوْ لَحِقَتْهُ نَدَاوَةُ) الْأَرْضِ فَيُنْبَشُ، لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَهَذَا مُتَّجِهٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (أَوْ بَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ وَلَهُ وَارِثٌ) فَفِيهِ مَا فِيهِ، بِدَلِيلِ تَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ لِلْوَارِثِ أَخْذَ الْمَالِ إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ لَا قَبْلَهُ، (وَ) يَجُوزُ نَبْشُهُ (لِنَقْلِهِ لِبُقْعَةٍ شَرِيفَةٍ وَمُجَاوَرَةِ صَالِحٍ)، لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ لِمَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ غَيْرَ وَاحِدٍ يَقُولُ: إنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ مَاتَا بِالْعَقِيقِ فَحُمِلَا إلَى الْمَدِينَةِ، وَدُفِنَا بِهَا. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَاتَ ابْنُ عُمَرَ هَهُنَا، وَأَوْصَى أَنْ لَا يُدْفَنَ هَا هُنَا، وَأَنْ يُدْفَنَ بِسَرِفٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يَجُوزُ نَبْشُهُ (فِي زَمَنِ تَغَيُّرِهِ، بَلْ) يُنْبَشُ (قَبْلَهُ)، أَيْ: التَّغْيِيرِ (أَوْ بَعْدَهُ)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (إلَّا شَهِيدًا دُفِنَ بِمَصْرَعِهِ، فَيَحْرُمُ نَبْشُهُ لِنَقْلِهِ)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «ادْفِنُوا الْقَتْلَى فِي مَصَارِعِهِمْ». (وَدَفْنُهُ)، أَيْ: الشَّهِيدِ (بِهِ)، أَيْ: بِمَصْرَعِهِ (سُنَّةٌ)، لِلْخَبَرِ (فَيُرَدُّ) الشَّهِيدُ (إلَيْهِ)، أَيْ: إلَى مَصْرَعِهِ (لَوْ نُقِلَ) مُوَافَقَةً لِلسُّنَّةِ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يَجِبُ نَقْلُهُ لِضَرُورَةٍ نَحْوِ كَوْنِهِ بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ مَكَان يُخَافُ نَبْشُهُ وَتَحْرِيقُهُ، أَوْ الْمُثْلَةُ بِهِ، (وَلِمَالِكٍ نَبْشُ مَنْ دُفِنَ تَعَدِّيًا بِمِلْكِهِ، وَلَهُ إلْزَامُ دَافِنِهِ بِنَقْلِهِ) لِتَفْرِيغِ مِلْكِهِ، (وَالْأَوْلَى) لَهُ (تَرْكُهُ) لِئَلَّا يَهْتِكَ حُرْمَتَهُ.
(وَ) الْمَيِّتُ (الْمُتَعَذَّرُ إخْرَاجُهُ مِنْ بِئْرٍ إلَّا مُتَقَطِّعًا وَنَحْوُهُ) كَمُمَثَّلٍ بِهِ (وَثَمَّ حَاجَةٌ إلَيْهَا). أَيْ: الْبِئْرِ (أُخْرِجَ) مُتَقَطِّعًا، لِأَنَّهُ أَخَفُّ ضَرَرًا مِنْ طَمِّهَا، (وَإِلَّا) يَكُنْ ثَمَّ حَاجَةٌ إلَى الْبِئْرِ؛ (طُمَّتْ) عَلَيْهِ، فَتَصِيرُ قَبْرَهُ دَفْعًا لِلتَّمْثِيلِ بِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ إخْرَاجُهُ بِلَا تَقَطُّعٍ بِمُعَالَجَةٍ بِأَكْسِيَةٍ وَنَحْوِهَا تُدَارُ فِيهَا تَجْتَذِبُ الْبُخَارَ أَوْ بِكَلَالِيبَ وَنَحْوِهَا بِلَا مُثْلَةٍ؛ وَجَبَ لِتَأْدِيَةِ فَرْضِ غُسْلِهِ، وَيُعْرَفُ زَوَالُ بُخَارِهَا بِبَقَاءِ السِّرَاجِ وَنَحْوِهِ بِهَا، فَإِنَّ النَّارَ لَا تَبْقَى عَادَةً إلَّا فِيمَا يَعِيشُ فِيهِ الْحَيَوَانُ. (وَيَتَّجِهُ: وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِهَا) كَغَرِيقٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَحَرُمَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ) الْمُتَقَدِّمَ (نَبْشُ) مَيِّتٍ (مُسْلِمٍ مَعَ بَقَاءِ رِمَّتِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ)، كَظُهُورِ مَوْضِعِ الْقَبْرِ مُسْتَحَقًّا لِلْغَيْرِ. (وَيَتَّجِهُ)(وَكَذَا) يَحْرُمُ نَبْشُ مَيِّتٍ (ذِمِّيٍّ) دُفِنَ (بـِ) أَرْضٍ مُنْفَكَّةٍ عَنْ الِاخْتِصَاصَاتِ (غَيْرِ) أَرْضِ (الْحَرَمِ)، فَلَا يُنْبَشُ مَعَ بَقَاءِ رِمَّتِهِ، (لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ)، وَأَمَّا إذَا دُفِنَ بِالْحَرَمِ فَيُنْبَشُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُبَاحُ نَبْشُ قَبْرِ حَرْبِيٍّ لِمَصْلَحَةٍ كَجَعْلِهِ)، أَيْ: قَبْرِ الْحَرْبِيِّ (مَسْجِدًا)، لِأَنَّ مَوْضِعَ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قُبُورًا لِلْمُشْرِكِينَ فَأَمَرَ بِنَبْشِهَا وَجَعْلِهَا مَسْجِدًا، (وَلِمَالٍ فِيهِ)، أَيْ: قَبْرِ الْحَرْبِيِّ، لِحَدِيثِ هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَعَهُ غُصْنًا مِنْ ذَهَبٍ، إنْ رَأَيْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ أَصَبْتُمُوهُ، فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَاسْتَخْرَجُوا الْغُصْن.